أيها الإخوان ما أروعكم ... شرفتم شعبكم
بقلم : قطب العربي
برغم النتيجة المعلَنة بعدم فوز أيٍّ من مرشحي الإخوان في الجولة الأولى، وخوض 26 مرشحًا - فقط - جولة الإعادة ( لن ينجح منهم أحد على الأرجح ) فإنني لا أملك إلا أن أرفع القبَّعة للإخوان المسلمين، وأقول لهم أيها الإخوان .. ما أروعكم !! شرَّفتم شعبكم .
مخطئٌ من يقيس النتائج بعدد المقاعد فقط، فقد كانت كل الدلائل والمؤشرات تؤكد عدم دخول الإخوان المجلس الجديد، ألم تسمعوا تصريحات رئيس الوزراء أحمد نظيف، ومن بعده رئيس مجلس الشورى، والأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف، وكبار قيادات الحزب ( شهاب وهلال وعز ) ؛ أن ما حدث في انتخابات 2005م ، لن يُسمح بتكراره في 2010م ؟!
مخطئٌ من يقيس النتائج بعدد المقاعد فقط، فقد كانت كل الدلائل والمؤشرات تؤكد عدم دخول الإخوان المجلس الجديد، ألم تسمعوا تصريحات رئيس الوزراء أحمد نظيف، ومن بعده رئيس مجلس الشورى، والأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف، وكبار قيادات الحزب ( شهاب وهلال وعز ) ؛ أن ما حدث في انتخابات 2005م ، لن يُسمح بتكراره في 2010م ؟!
كانت الرسالة واضحةً جليةً ، لا لبس فيها ولا غموض ، هناك قرار إستراتيجي من أعلى قمة السلطة بعدم فوز أيٍّ من مرشحي الإخوان .
كان ذلك واضحًا من البداية أمام قيادة الجماعة، ولكنها قرَّرت خوض المعركة برغم هذه الرسائل الجلية من السلطة ، وبرغم كل المناشدات والضغوط التي مارسها حلفاؤها السياسيون في الجمعية الوطنية للتغيير ؛ لثنيها عن الترشُّح، لكنها مضت في طريقها بهدف تحقيق ما هو أكبر وأهمّ من كسب مقاعد نيابية قلَّت أو كثرت .
ولنعرف أكثر أبعاد الملحمة التي سجَّلها كوادر الإخوان في هذه الانتخابات، والتي تعدُّ بحقٍّ فخرًا لكل مصري، وتؤكد أن في مصر رجالاً وقفوا ضد السلطة الغاشمة، لم يرتعدوا، ولم يتراجعوا، ولم يأبهوا بالاعتقالات التي طالت 1500 منهم، وهو عدد يزيد عن عدد أعضاء معظم الأحزاب الورقية، نقول إننا حتى نعرف حجم هذه الملحمة علينا أن نعرف ما خطة السلطة وحزبها الحاكم، وما أهداف الإخوان من خوض الانتخابات، ومدى تمكُّن كل طرف من تحقيق أهدافه .
فيما يخص السلطة كان واضحًا أن هناك قرارًا إستراتيجيًّا بعدم السماح للإخوان بدخول مجلس الشعب هذه المرة، كما ذكرنا من قبل، ساعدهم على ذلك التفاهم مع الإدارة الأمريكية على أن الإصلاح السياسي هو شأن داخليٌّ لا تتدخل فيه إدارة أوباما، كما كانت تفعل إدارة بوش، وحفَّزها على هذا القرار أيضًا الرغبة في تمرير مشروع التوريث بسلاسة، دون أن يكون في مجلس الشعب نوابٌ يمكن أن يمنحوا توكيلات لمرشح مستقل يقلب الطاولة على أصحاب مشروع التوريث والمستفيدين منه، وهم كثيرون، كما ساعدها بشكل قويٍّ تلك التعديلات الدستورية المشئومة التي ألغت الإشراف القضائي الذي كان الضمانة الوحيدة لنزاهة الانتخابات .
الإخوان من ناحيتهم لم يعتبروا الحصول على عدد من المقاعد- أقل أو أكثر مما كانوا يمتلكون من قبل- هو الهدف الوحيد من خوض الانتخابات كما هو الحال بالنسبة لأي حزب سياسي، لكنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب مشروع إصلاحي شامل وطويل المدى، وما الانتخابات ومجلس الشعب إلا حلقات فيه، فالأهم لديهم هو توصيل دعوتهم لأكبر عدد ممكن من الناس وقد فعلوا، والأهم لديهم تحريك الناس وحشدهم مع حركة الإصلاح، وقد فعلوا، والمهم لديهم دخول كل بيت، وقد دخلوا كل بيوت الدوائر التي ترشَّحوا فيها تقريبًا، حتى إن بعض الكتَّاب المعادين لهم جأروا بالشكوى على صفحات الصحف من رسائل الهواتف الأرضية التي لجأ إليها الإخوان بعد أن أصدرت الحكومة قراراتٍ إداريةً بمنع رسائل الموبايل خلال فترة الانتخابات.
كان المهم أيضًا بالنسبة للإخوان هو محاربة روح اليأس والسلبية عند الناس، ودفعهم إلى الخروج ومواجهة الطغيان، وقد تجاوب الناس كثيرًا في دوائرهم، وتعرَّضوا للمضايقات والاعتداءات من البلطجية، لكنهم لم يتراجعوا.
منذ اللحظات الأولى لعملية الترشُّح بدأت سطور الملحمة، فقد كان الجزء الأول من الخطة الحكومية هو منع جميع مرشحي الإخوان من الترشُّح، كما فعلوا من قبل في انتخابات المحليات الماضية، وتابعنا جميعًا المعوقات والعراقيل الصناعية التي وُضِعت بهدف سدِّ الأبواب أمام الإخوان، مثل إثبات الجنسية المصرية للأبوين، وشاهدنا الطوابير الوهمية المصطنعة التي تزدحم أمام لجان الترشيح؛ بهدف تفويت الفرصة على مرشحي الإخوان، وتابعنا تعنُّت موظفي اللجنة العليا للانتخابات داخل مقارِّ مديريات الأمن في استلام أوراق الترشُّح منهم، لكنَّ كل ذلك لم يفتَّ في عضدهم، ولم يوهن عزيمتهم، فأصرُّوا على نيل حقهم في الترشُّح، وبالعدد الذي أعلنوه مسبقًا، وهو بحدود 30%، وباتوا أمام مديريات الأمن، واعتصموا بالآلاف في الشوارع، كما شاهدنا في الإسكندرية والمنوفية والشرقية والغربية ودمياط والجيزة.. إلخ، ولم يغادروا الشوارع حتى حصلوا على ما يثبت ترشُّحهم، وكان هذا هو الانتصار الأول، برغم استبعاد بعض المرشحين في الإسكندرية (من المهم الإشارة إلى أن الإخوان تمكَّنوا برغم كل ما سبق من ترشيح أعداد احتياطية كبيرة، وكان من الممكن الدفع بالمزيد منهم، كمرشحين رسميين، كرد فعل على الملاحقات، ولكنهم التزموا بالنسبة التي حدَّدوها، وهي 30%؛ حفاظًا على مصداقيتهم لدى الرأي العام؛ حيث تمَّ ترشيح 130 فقط بشكل رسمي، ومن المثير أن أحد هؤلاء المرشحين الاحتياطيين، وهو المحامي رضا الجندي في دائرة الزاوية والشرابية، دخل دورة الإعادة، برغم أنه لم يقم بعمل أية دعاية، بل كان مجرد داعم للمرشح الرئيسي في الدائرة الذي يخوض الإعادة أيضًا).
في فترة الدعاية الانتخابية كان القرار السياسي الرسمي أيضًا هو منع ظهور دعاية الإخوان، وفرض حظر مشدَّد على شعارهم "الإسلام هو الحل"، وتمَّ اعتقال العشرات ثم المئات حتى وصل العدد بنهاية يوم الانتخابات إلى حدود 1500 معتقل، وراحت الأجهزة المحلية- مستخدمةً معداتها- تجوب الشوارع لتمزيق وتلطيخ ملصقات الإخوان ولافتاتهم، وأصدرت الحكومة قرارات تمنع شركات الاتصالات من بثِّ رسائل الموبايل، بعد أن علمت أن الإخوان اتفقوا مع إحداها على بثِّ آلاف الرسائل للناخبين، وجاءهم الإخوان من حيث لا يحتسبون، وعبر الهواتف الأرضية التي هي الأكثر انتشارًا في كل بيت تقريبًا، وجاءت ألوان عديدة ومبتكرة من الدعاية التي أوصلت مبادئ وأهداف الإخوان إلى بيوت الدوائر التي ترشحوا فيها، والحقيقة أنهم لم يكونوا بحاجة إلى قدر كبير من الدعاية خلال موسم الانتخابات فقط بسبب وجودهم بين الناس طوال العام والأعوام التي سبقت الانتخابات.
خاض الإخوان معركة قوية دفاعًا عن شعار " الإسلام هو الحل "، وفرضوه في معظم الدوائر التي ترشحوا بها، ولم يأبهوا بالتهديد بشطب من يرفعه، أو اعتقال من ينطق به، متدثرين بأحكام عديدة صدرت من القضاء الإداري تعتبر الشعار قانونيًّا وليس مخالفًا للدستور، أليس بقاء وانتشار هذا الشعار رغم كل ذلك يعد انتصارًا ؟!
طبعًا تابع الجميع عمليات المطاردة والاعتقالات التي حدثت، والتي لو حدثت لحزب آخر لأجهزت عليه تمامًا، ومع ذلك لم تتوقف مؤتمرات ومسيرات المرشحين الإخوان طوال فترة الدعاية، رغم حصارها بعشرات سيارات الأمن المركزي المدجج بالسلاح والعصي الكهربائية والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، وكانت مؤتمرات دمنهور والغربية ودمياط والدقهلية بالآلاف شاهد على حيوية هذا الشعب، وكان ذلك نصرًا ثانيًا وثالثًا في جولة الدعاية.
نأتي إلى معركة التوكيلات والتي اكتسبت أهميةً أكبر بعد غياب الإشراف القضائي، فقد كان هناك تشدد واضح مع مرشحي الإخوان والعديد من مرشحي المعارضة والمستقلين في منح التوكيلات، وخاض الإخوان معركةً قانونيةً لإثبات حقهم في الحصول على توكيلات، ولإجبار مكاتب الشهر العقاري على توثيق التوكيلات التي كانوا يرفضون توثيقها؛ بناءً على تعليمات أمنية وسياسية، وحصل مرشحو الإخوان على أحكام قضائية بحجية هذه التوكيلات وعدم الحاجة إلى ختمها من مأموري أقسام ومراكز الشرطة، ولكن كل ذلك لم يشفع لدخول المندوبين يوم الانتخابات؛ حيث منع معظمهم وطرد الكثير ممن تمكن من الدخول، وهو ما سجلته منظمات المراقبة المحلية ووسائل الإعلام العالمية، لكن المفاجأة الكبرى التي ربما لا يعرفها الحزب الوطني أن الإخوان كان لهم مندوبون كثيرون بتوكيلات من مرشحي الحزب الوطني ومن أعضاء الحزب الوطني المرشحين كمستقلين (تم طرد الجميع عند ساعة الصفر للتزوير)، أليس هذا مدعاة لنرفع القبعة للإخوان؟!
لقد رفضت الحكومة تمامًا وجود مراقبين أجانب، كما قيدت دور المراقبين المحليين من منظمات حقوق الإنسان وقصرته على مجرد المتابعة الخارجية، كما قيدت وسائل الإعلام وفرضت حظرًا على تحركها وعلى البث المباشر الذي كان من الممكن أن يصور عمليات التزوير، كما فرضت حظرًا على استضافة من يمثلون الإخوان، وتسببت ذلك بالفعل في إلغاء برامج في قنوات كبرى مثل "الحرة" والـ"بي بي سي"، وشوشت على المحطات الفضائية المحلية والدولية خصوصًا عند تناولها لموضوع الانتخابات، وقبل كل ذلك حجبت كل مواقع الإخوان الرئيسية والفرعية يوم الانتخابات، ولكن كل ذلك لم يمنع الإخوان من توصيل صوتهم؛ حيث ظهروا في العديد من القنوات الكبرى الأكثر مشاهدة مثل "الجزيرة" و"العربية" و"الحرة"، والـ"بي بي سي"، وتواصلت معهم وكالات الأنباء العالمية الكبرى الأقل خضوعًا لتعليمات السلطات المصرية، والمهم من كل ذلك، والذي كان بحق مفخرة كبرى، هو تحول أفراد الإخوان أنفسهم إلى صحفيين في كل الدوائر، سجلوا الانتهاكات والمضايقات، وسجلوا عمليات التزوير بالصوت والصورة، ووزعوها على وسائل الإعلام، وتمكنوا بذلك من كسر الطوق الذي فرضته السلطة على وسائل الإعلام، وعلى هيئات الرقابة حتى يتمكن الحزب الوطني من إنهاء التزوير بعيدًا عن العيون، لكن عيون الإخوان كانت أصعب من أن تُغلق.
تعالوا نتحدث عن أحد المظاهر الدائمة المصاحبة للانتخابات وهي ظاهرة البلطجة، والعنف والتي تسببت بمقتل بعض الناس، وإصابة العشرات، فهؤلاء البلطجية كانوا هم مع رجال الشرطة سادة الموقف في معظم اللجان، تمكنوا من فرض سطوتهم على كثير منها، وأرهبوا الناخبين واعتدوا عليهم، لكن- لمن لا يعلم- نقول إن القتلى الذين وقعوا لم يكونوا في دوائر الإخوان (باستثناء محاولة الاعتداء على النائب والمرشح صبحي صالح وإصابته إصابة خفيفة في الإسكندرية)، وهناك من وجهة نظري سببان لعدم حدوث حوادث عنف كبيرة في دوائر الإخوان، الأول أن البلطجية يعرفون جيدًا- ومن واقع خبرات سابقة- أنهم لا قِبل لهم بكوادر الإخوان المهيئين للرد بقوة على أي تجاوز منهم، والسبب الثاني هو حرص الإخوان على ضبط النفس لأقصى درجة بهدف تفويت الفرصة على الأمن المتربص بهم، وقد نجحوا في تأمين دوائرهم إلى حد كبير من أعمال البلطجة والعنف الذي تم بكثافة في الدوائر المفتوحة للحزب الوطني أو بعض دوائر المستقلين، أليس ما سبق يستحق التحية والتبجيل؟!
لقد استبسل الإخوان في الدفاع عن حقهم كمواطنين، وعن حق الشعب المصري كله في انتخابات نزيهة تفرز نوابًا جديرين بثقة هذا الشعب، وحاولوا منع التزوير بكل طريق ممكن، لكنهم في الحقيقة لم يكونوا في مواجهة مجرد مرشحين منافسين، بل كانوا في مواجهة مع جهاز دولة قرر إقصاءهم من المشهد السياسي، وجاءت النتيجة المعلنة للجولة الأولى للانتخابات تعبيرًا عن هذه الإرادة، وليست تعبيرًا عن إرادة الناخبين، وإذا كان الإخوان يدافعون عن حق المصريين في برلمان حر، وانتخابات حرة، فإن الحزب الوطني دافع حتى النهاية عن بقائه في السلطة بطرق غير مشروعة، لطخت سمعة مصر عالميًّا، ونقلتها إلى العالم الرابع أو الخامس، حيث إن دول العالم الثالث الآن تمارس ديمقراطية أفضل بكثير منا، وتشهد تداولاً سلميًّا للسلطة لا يزال حلمًا بالنسبة لنا.
إذا كان الحزب الوطني يقيم الأفراح والليالي الملاح الآن ابتهاجًا بهذه النتيجة، فإن فرحته لن تطول لأن ساعة الظلم ساعة، وساعة الحق إلى قيام الساعة .
كان ذلك واضحًا من البداية أمام قيادة الجماعة، ولكنها قرَّرت خوض المعركة برغم هذه الرسائل الجلية من السلطة ، وبرغم كل المناشدات والضغوط التي مارسها حلفاؤها السياسيون في الجمعية الوطنية للتغيير ؛ لثنيها عن الترشُّح، لكنها مضت في طريقها بهدف تحقيق ما هو أكبر وأهمّ من كسب مقاعد نيابية قلَّت أو كثرت .
ولنعرف أكثر أبعاد الملحمة التي سجَّلها كوادر الإخوان في هذه الانتخابات، والتي تعدُّ بحقٍّ فخرًا لكل مصري، وتؤكد أن في مصر رجالاً وقفوا ضد السلطة الغاشمة، لم يرتعدوا، ولم يتراجعوا، ولم يأبهوا بالاعتقالات التي طالت 1500 منهم، وهو عدد يزيد عن عدد أعضاء معظم الأحزاب الورقية، نقول إننا حتى نعرف حجم هذه الملحمة علينا أن نعرف ما خطة السلطة وحزبها الحاكم، وما أهداف الإخوان من خوض الانتخابات، ومدى تمكُّن كل طرف من تحقيق أهدافه .
فيما يخص السلطة كان واضحًا أن هناك قرارًا إستراتيجيًّا بعدم السماح للإخوان بدخول مجلس الشعب هذه المرة، كما ذكرنا من قبل، ساعدهم على ذلك التفاهم مع الإدارة الأمريكية على أن الإصلاح السياسي هو شأن داخليٌّ لا تتدخل فيه إدارة أوباما، كما كانت تفعل إدارة بوش، وحفَّزها على هذا القرار أيضًا الرغبة في تمرير مشروع التوريث بسلاسة، دون أن يكون في مجلس الشعب نوابٌ يمكن أن يمنحوا توكيلات لمرشح مستقل يقلب الطاولة على أصحاب مشروع التوريث والمستفيدين منه، وهم كثيرون، كما ساعدها بشكل قويٍّ تلك التعديلات الدستورية المشئومة التي ألغت الإشراف القضائي الذي كان الضمانة الوحيدة لنزاهة الانتخابات .
الإخوان من ناحيتهم لم يعتبروا الحصول على عدد من المقاعد- أقل أو أكثر مما كانوا يمتلكون من قبل- هو الهدف الوحيد من خوض الانتخابات كما هو الحال بالنسبة لأي حزب سياسي، لكنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب مشروع إصلاحي شامل وطويل المدى، وما الانتخابات ومجلس الشعب إلا حلقات فيه، فالأهم لديهم هو توصيل دعوتهم لأكبر عدد ممكن من الناس وقد فعلوا، والأهم لديهم تحريك الناس وحشدهم مع حركة الإصلاح، وقد فعلوا، والمهم لديهم دخول كل بيت، وقد دخلوا كل بيوت الدوائر التي ترشَّحوا فيها تقريبًا، حتى إن بعض الكتَّاب المعادين لهم جأروا بالشكوى على صفحات الصحف من رسائل الهواتف الأرضية التي لجأ إليها الإخوان بعد أن أصدرت الحكومة قراراتٍ إداريةً بمنع رسائل الموبايل خلال فترة الانتخابات.
كان المهم أيضًا بالنسبة للإخوان هو محاربة روح اليأس والسلبية عند الناس، ودفعهم إلى الخروج ومواجهة الطغيان، وقد تجاوب الناس كثيرًا في دوائرهم، وتعرَّضوا للمضايقات والاعتداءات من البلطجية، لكنهم لم يتراجعوا.
منذ اللحظات الأولى لعملية الترشُّح بدأت سطور الملحمة، فقد كان الجزء الأول من الخطة الحكومية هو منع جميع مرشحي الإخوان من الترشُّح، كما فعلوا من قبل في انتخابات المحليات الماضية، وتابعنا جميعًا المعوقات والعراقيل الصناعية التي وُضِعت بهدف سدِّ الأبواب أمام الإخوان، مثل إثبات الجنسية المصرية للأبوين، وشاهدنا الطوابير الوهمية المصطنعة التي تزدحم أمام لجان الترشيح؛ بهدف تفويت الفرصة على مرشحي الإخوان، وتابعنا تعنُّت موظفي اللجنة العليا للانتخابات داخل مقارِّ مديريات الأمن في استلام أوراق الترشُّح منهم، لكنَّ كل ذلك لم يفتَّ في عضدهم، ولم يوهن عزيمتهم، فأصرُّوا على نيل حقهم في الترشُّح، وبالعدد الذي أعلنوه مسبقًا، وهو بحدود 30%، وباتوا أمام مديريات الأمن، واعتصموا بالآلاف في الشوارع، كما شاهدنا في الإسكندرية والمنوفية والشرقية والغربية ودمياط والجيزة.. إلخ، ولم يغادروا الشوارع حتى حصلوا على ما يثبت ترشُّحهم، وكان هذا هو الانتصار الأول، برغم استبعاد بعض المرشحين في الإسكندرية (من المهم الإشارة إلى أن الإخوان تمكَّنوا برغم كل ما سبق من ترشيح أعداد احتياطية كبيرة، وكان من الممكن الدفع بالمزيد منهم، كمرشحين رسميين، كرد فعل على الملاحقات، ولكنهم التزموا بالنسبة التي حدَّدوها، وهي 30%؛ حفاظًا على مصداقيتهم لدى الرأي العام؛ حيث تمَّ ترشيح 130 فقط بشكل رسمي، ومن المثير أن أحد هؤلاء المرشحين الاحتياطيين، وهو المحامي رضا الجندي في دائرة الزاوية والشرابية، دخل دورة الإعادة، برغم أنه لم يقم بعمل أية دعاية، بل كان مجرد داعم للمرشح الرئيسي في الدائرة الذي يخوض الإعادة أيضًا).
في فترة الدعاية الانتخابية كان القرار السياسي الرسمي أيضًا هو منع ظهور دعاية الإخوان، وفرض حظر مشدَّد على شعارهم "الإسلام هو الحل"، وتمَّ اعتقال العشرات ثم المئات حتى وصل العدد بنهاية يوم الانتخابات إلى حدود 1500 معتقل، وراحت الأجهزة المحلية- مستخدمةً معداتها- تجوب الشوارع لتمزيق وتلطيخ ملصقات الإخوان ولافتاتهم، وأصدرت الحكومة قرارات تمنع شركات الاتصالات من بثِّ رسائل الموبايل، بعد أن علمت أن الإخوان اتفقوا مع إحداها على بثِّ آلاف الرسائل للناخبين، وجاءهم الإخوان من حيث لا يحتسبون، وعبر الهواتف الأرضية التي هي الأكثر انتشارًا في كل بيت تقريبًا، وجاءت ألوان عديدة ومبتكرة من الدعاية التي أوصلت مبادئ وأهداف الإخوان إلى بيوت الدوائر التي ترشحوا فيها، والحقيقة أنهم لم يكونوا بحاجة إلى قدر كبير من الدعاية خلال موسم الانتخابات فقط بسبب وجودهم بين الناس طوال العام والأعوام التي سبقت الانتخابات.
خاض الإخوان معركة قوية دفاعًا عن شعار " الإسلام هو الحل "، وفرضوه في معظم الدوائر التي ترشحوا بها، ولم يأبهوا بالتهديد بشطب من يرفعه، أو اعتقال من ينطق به، متدثرين بأحكام عديدة صدرت من القضاء الإداري تعتبر الشعار قانونيًّا وليس مخالفًا للدستور، أليس بقاء وانتشار هذا الشعار رغم كل ذلك يعد انتصارًا ؟!
طبعًا تابع الجميع عمليات المطاردة والاعتقالات التي حدثت، والتي لو حدثت لحزب آخر لأجهزت عليه تمامًا، ومع ذلك لم تتوقف مؤتمرات ومسيرات المرشحين الإخوان طوال فترة الدعاية، رغم حصارها بعشرات سيارات الأمن المركزي المدجج بالسلاح والعصي الكهربائية والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، وكانت مؤتمرات دمنهور والغربية ودمياط والدقهلية بالآلاف شاهد على حيوية هذا الشعب، وكان ذلك نصرًا ثانيًا وثالثًا في جولة الدعاية.
نأتي إلى معركة التوكيلات والتي اكتسبت أهميةً أكبر بعد غياب الإشراف القضائي، فقد كان هناك تشدد واضح مع مرشحي الإخوان والعديد من مرشحي المعارضة والمستقلين في منح التوكيلات، وخاض الإخوان معركةً قانونيةً لإثبات حقهم في الحصول على توكيلات، ولإجبار مكاتب الشهر العقاري على توثيق التوكيلات التي كانوا يرفضون توثيقها؛ بناءً على تعليمات أمنية وسياسية، وحصل مرشحو الإخوان على أحكام قضائية بحجية هذه التوكيلات وعدم الحاجة إلى ختمها من مأموري أقسام ومراكز الشرطة، ولكن كل ذلك لم يشفع لدخول المندوبين يوم الانتخابات؛ حيث منع معظمهم وطرد الكثير ممن تمكن من الدخول، وهو ما سجلته منظمات المراقبة المحلية ووسائل الإعلام العالمية، لكن المفاجأة الكبرى التي ربما لا يعرفها الحزب الوطني أن الإخوان كان لهم مندوبون كثيرون بتوكيلات من مرشحي الحزب الوطني ومن أعضاء الحزب الوطني المرشحين كمستقلين (تم طرد الجميع عند ساعة الصفر للتزوير)، أليس هذا مدعاة لنرفع القبعة للإخوان؟!
لقد رفضت الحكومة تمامًا وجود مراقبين أجانب، كما قيدت دور المراقبين المحليين من منظمات حقوق الإنسان وقصرته على مجرد المتابعة الخارجية، كما قيدت وسائل الإعلام وفرضت حظرًا على تحركها وعلى البث المباشر الذي كان من الممكن أن يصور عمليات التزوير، كما فرضت حظرًا على استضافة من يمثلون الإخوان، وتسببت ذلك بالفعل في إلغاء برامج في قنوات كبرى مثل "الحرة" والـ"بي بي سي"، وشوشت على المحطات الفضائية المحلية والدولية خصوصًا عند تناولها لموضوع الانتخابات، وقبل كل ذلك حجبت كل مواقع الإخوان الرئيسية والفرعية يوم الانتخابات، ولكن كل ذلك لم يمنع الإخوان من توصيل صوتهم؛ حيث ظهروا في العديد من القنوات الكبرى الأكثر مشاهدة مثل "الجزيرة" و"العربية" و"الحرة"، والـ"بي بي سي"، وتواصلت معهم وكالات الأنباء العالمية الكبرى الأقل خضوعًا لتعليمات السلطات المصرية، والمهم من كل ذلك، والذي كان بحق مفخرة كبرى، هو تحول أفراد الإخوان أنفسهم إلى صحفيين في كل الدوائر، سجلوا الانتهاكات والمضايقات، وسجلوا عمليات التزوير بالصوت والصورة، ووزعوها على وسائل الإعلام، وتمكنوا بذلك من كسر الطوق الذي فرضته السلطة على وسائل الإعلام، وعلى هيئات الرقابة حتى يتمكن الحزب الوطني من إنهاء التزوير بعيدًا عن العيون، لكن عيون الإخوان كانت أصعب من أن تُغلق.
تعالوا نتحدث عن أحد المظاهر الدائمة المصاحبة للانتخابات وهي ظاهرة البلطجة، والعنف والتي تسببت بمقتل بعض الناس، وإصابة العشرات، فهؤلاء البلطجية كانوا هم مع رجال الشرطة سادة الموقف في معظم اللجان، تمكنوا من فرض سطوتهم على كثير منها، وأرهبوا الناخبين واعتدوا عليهم، لكن- لمن لا يعلم- نقول إن القتلى الذين وقعوا لم يكونوا في دوائر الإخوان (باستثناء محاولة الاعتداء على النائب والمرشح صبحي صالح وإصابته إصابة خفيفة في الإسكندرية)، وهناك من وجهة نظري سببان لعدم حدوث حوادث عنف كبيرة في دوائر الإخوان، الأول أن البلطجية يعرفون جيدًا- ومن واقع خبرات سابقة- أنهم لا قِبل لهم بكوادر الإخوان المهيئين للرد بقوة على أي تجاوز منهم، والسبب الثاني هو حرص الإخوان على ضبط النفس لأقصى درجة بهدف تفويت الفرصة على الأمن المتربص بهم، وقد نجحوا في تأمين دوائرهم إلى حد كبير من أعمال البلطجة والعنف الذي تم بكثافة في الدوائر المفتوحة للحزب الوطني أو بعض دوائر المستقلين، أليس ما سبق يستحق التحية والتبجيل؟!
لقد استبسل الإخوان في الدفاع عن حقهم كمواطنين، وعن حق الشعب المصري كله في انتخابات نزيهة تفرز نوابًا جديرين بثقة هذا الشعب، وحاولوا منع التزوير بكل طريق ممكن، لكنهم في الحقيقة لم يكونوا في مواجهة مجرد مرشحين منافسين، بل كانوا في مواجهة مع جهاز دولة قرر إقصاءهم من المشهد السياسي، وجاءت النتيجة المعلنة للجولة الأولى للانتخابات تعبيرًا عن هذه الإرادة، وليست تعبيرًا عن إرادة الناخبين، وإذا كان الإخوان يدافعون عن حق المصريين في برلمان حر، وانتخابات حرة، فإن الحزب الوطني دافع حتى النهاية عن بقائه في السلطة بطرق غير مشروعة، لطخت سمعة مصر عالميًّا، ونقلتها إلى العالم الرابع أو الخامس، حيث إن دول العالم الثالث الآن تمارس ديمقراطية أفضل بكثير منا، وتشهد تداولاً سلميًّا للسلطة لا يزال حلمًا بالنسبة لنا.
إذا كان الحزب الوطني يقيم الأفراح والليالي الملاح الآن ابتهاجًا بهذه النتيجة، فإن فرحته لن تطول لأن ساعة الظلم ساعة، وساعة الحق إلى قيام الساعة .