التربية بالأحداث
تفعل الكلمة في النفس وقت الحدث ما لا تفعله في غيرها، ولذلك كان المؤثرون دوماً من قادة الرأي العام والمربين والمثقفين يتميزون بالحضور الدائم والوعي بمستجدات القضايا. وبقدر ما تكون المشاركة النفسية والفكرية والبدنية بقدر ما يكون التصاق الناس على اختلاف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية بالعالم أو المربي أو الخطيب أو المعلم أو الموجه أو غيرهم. وما أكثر الفرص والمناسبات التي تمر وتحتاج إلى من يستغلها بذكاء وبتجدد في أسلوب العرض حتى تصل الفكرة إلى القلوب والعقول .
روى البخاري في صحيحه عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه من العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه من المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة. إنها المدرسة النبوية في التربية والتوجيه ، وانظر إلى المعاني التي أوردها عليه الصلاة والسلام من أجل كلمة واحدة قالها سعد رضي الله عنه، وتخيل مقدار الأثر الإيماني الذي تركته هذه الكلمات البليغة في نفوس الصحابة .. أليس هو الهم الدعوي الكبير الذي يحمله والمسؤولية العظيمة التي يستشعرها؟ أو ليست التربية بالأحداث يعلمنا إياها عليه الصلاة والسلام ؟ ولذا فلا نعجب من تلك النماذج المتميزة التي باعت نفسها لله وجاهدت في سبيل الدفاع عن دين الله .
لو أن الوالد ضرب لأولاده المثل الحي بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لنشأ الأولاد وفي قلوبهم حب للمعروف وولاء لأهله وبغض للمنكر وبرآءة من أهله. ولو أن المعلمة وقفت عند أخبار الشيشان وكيف أن العالم رماهم عن قوس واحدة لأنهم مسلمون، بينما هب لنجدة أهل تيمور لأنهم نصارى وأقام لهم دولة مستقلة ، وحثت طالباتهاعلى التبرع للمسلمين وبدأت بنفسها، وطالبتهن بالدعاء في الصلوات لأدركت طالباتنا تميزهم بالإسلام ووجوب نصرة إخوانهم وأخواتهم التي تجمع رابطة العقيدة بينهم، ولأثمر هذا التذكير بهذا الحدث آثاراً إيمانية قد لا ندركها. ولأخرجت مثل هذه التربية بالأحداث فتيات عالمات عاملات عرفن أهدافهن في هذه الحياة .
ولو أن المعلم والمربي وقف مثلاً أمام طلابه يشرح لهم قصة عيد القسيس فالنتاين المسمى عيد الحب وشرح لهم بإيجاز الارتباط النصراني وأن هذا الاحتفال ما هو إلا تمجيد لذلك القسيس الذي سعى إلى نشر النصرانية أثناء حكم الامبراطور الروماني كلاوديس الثاني حيث أعدمه يوم 14 فبراير 270م، ثم أضاف إلى ذلك قضية الحب وماذا تعني بالنسبة للشاب وما هي حدوده الشرعية وضوابطه، ثم أورد بعض الأمثلة للحب الذي يسعد صاحبه كحب للدين ونصرته، وللمعروف وأهله، ورد على مقولة أن الزواج الناجح ثمرة لقصة حب قبل الزواج بالأخبار اليومية عن انهيار زواج الممثلين والمغنيين وغيرهم وما خبر الممثلة نهلة سلامة عنا ببعيد التي لم يدم زواجها أكثر من 15 يوماً، وهكذا بطريقة مقنعة هادئة.
وشئ مهم ذو علاقة بقضية التربية بالحدث أن ندرك أن معظم الناس يمتلكون عاطفة طيبة وحباً للدين ولكنهما غابا بفعل المعصية والغفلة وقلة الداعي إلى الله على بصيرة وطول الإلف للواقع، ولكن تأتي أوقات أزمات من مرض أو قلق أو حيرة تنفتح للخير فيها القلوب وتقبل الموعظة أثناءها النفوس و تحتاج فيها إلى الداعية صاحب القلب الكبير الذي يتمنى الخير للناس، ويتلطف في الدخول عليهم..وهذه من الفرص التي ينبغي على من يريد الخير للدعوة ولنفسه اغتنامها فيكسب من الحسنات ما يكون له نوراً يوم الحساب، ولا يسوغ أبداً الكسل والتسويف.
إن الفرص كثيرة سواء أتيحت في الحي أو المدرسة أو السوق وإنها خسارة كبيرة أن تمر دون أن يكون هناك عمل منتج كبير يضيف إلى البناء الأخلاقي للأمة. فهل نعزم على اغتنام كل فرصة قادمة في غرس فسائل الخير في القلوب واقتلاع بذور الشر منها.
المصدر : الملتقى