شاركنا على الفيس بوك

الاثنين، 13 سبتمبر 2010

الملل الدعوي

الملل الدعوي

الأستاذ / فتحي يكن


الملل والسأم والضجر، من الظواهر المرضيَّة التي يمكن أن تصيب العمل الإسلامي والعاملين للإسلام، وقد تدفع بهم في النتيجة الى قعر الإحباط واليأس !

و إنَّ أيَّ حالة ركودٍ وعدم تحرُّكٍ، وجمودٍ وعدم تطوُّرٍ، وقعودٍ وعدم تجدُّدٍ، ستنتهي حتمًا بالتوقُّف، وهي ستموت ، ولن يُكتَب لها الحياة بحالٍ من الأحوال !


سبب ذلك أنَّ التجديد والتجدُّد، والتطوير والتطوُّر ، سنَّةٌ إلهيَّةٌ لاستمرار الحياة . . وبدونها لا تكون حياةٌ ولا استمرار لهذه الحياة . . حتى الإسلام - وهو منهج الله تعالى ورسالته الخاتمة - تجري عليه هذه السنَّة، التي هي سبب استمراره وحفظه، والتي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلِّ مائة سنةٍ مَن يُجدِّد لها دينها " رواه أبو داود ، ورجاله ثقات .

الفصول الأربعة ، هي حالة من حالات التجدُّد المناخيِّ اللازم لاستمرار الإنسان والحياة .

تعاقب الليل والنهار هو حالة تجدُّدٍ عضويٍّ ومعنويٍّ للإنسان والحياة .

الحياة الأسريَّة ، والعلاقة الزوجيَّة ، لابدَّ لها من تجدُّدٍ حتى تستمرَّ متألِّقةً متجانسةً وسعيدة ، وعدم حصول ذلك يمكن أن يفسخها ويدمِّرها .

إنَّ كلَّ ما في الكون من مخلوقاتٍ لا يمكن إلا وأن يخضع لهذا القانون الإلهيِّ ليتمكَّن من المحافظة على ديمومته واستمراره .


الإيمان نفسه - الذي يمثِّل حالة العافية العقديَّة لدى الإنسان - هو يخضع أيضًا لنفس المعادلة ، والحديث النبويُّ يؤكِّد ذلك على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم " رواه الطبراني بسندٍ حسن ، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنادون لتجديد الإيمان .

والصلاة ما لم تتجدَّد من خلال تنوُّع القراءة ، وتحسُّن التلاوة ، وتنامي الحضور ، يمكن أن تفقد طعمها وأثرها وبالتالي يُعطَّل دورها كأداة للتربيةٍ ووسيلة للتزكية ، مصداقًا لقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر ) .

وإذا عدنا الى المشكلة المطروحة ، والمتعلِّقة بالملل الذي يشعر به أحدنا إن كان مسئولاً عن إدارة مجموعةٍ وتعهُّدها بالتوعية والتوجيه ، لطالعتنا نفس العلَّة ، ومَثُلت أمامنا الأسباب .

فالشخص الذي لا يتغيَّر ، ويبقى هو نفسه الذي يعطي ويتابع ويدير ، بالرغم من تغيُّر المراحل والظروف ، سيكون مدعاةً لملل الآخرين منه وملله منهم .

والموجِّه والخطيب والداعية والمرشد الذي لا يقدِّم جديدًا سيكون مملاً في توجيهه وخطبته وإرشاده ، ومثل هؤلاء كمثل الطبيب الذي إن لم يسعَ دائمًا وباستمرارٍ إلى زيادة ثقافته الطبيَّة ، ومتابعة مستجدَّات المهنة سيصبح تقليديًّا بالتالى ، ويعيش على هامش الحياة الطبيَّة ، وشأنه كذلك كشأن المهندس والمحامي والصناعي والتاجر والمعلِّم وغيرهم إذا هم رضوا بواقعهم ولم يعملوا على التجديد والتطوير في إمكاناتهم .

إنَّه لابدَّ من إعادة النظر في المربِّي ، ومنهج التربية ، وآلية ووسائل التربية ، وفي تغيُّر المكان والزمان ، فليست كلُّها سواء .

وفوق هذا وذاك فمطلوبٌ من المربِّي ، أن تكون تربيته بلسان حاله قبل لسان مقاله ، ذلك أنَّ لسان الحال أوقع من لسان المقال ، وصدق عليُّ بن أبي طالبٍ حيث يقول : " من نصَّب نفسه للناس إمامًا فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه ، ومعلم نفسه ومهذبها أحقُّ بالإجلال من معلِّم الناس ومهذبهم " .
وهذه المشكلة تعكس حالة الجمود وعدم التجدُّد في واقع العمل الإسلامي المعاصر ، فضلاً عن التخلُّف عن واقع العصر وعدم الأخذ بالأسباب والإمكانات المتوافرة فيه .

إنَّ السبب الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في سوء فهم المقاصد التربويَّة والدعويَّة ، وبذلك تبقى " التربية " استفادةً بدون إفادة ، كما تبقى " الدعوة " أخذًا بدون عطاء .

أمَّا المنهج الإسلامي - قرآنًا وسنَّةً وسيرةً وتاريخًا - فيَعتبر العطاء ثمرة الأخذ والتلقِّي ، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم : " بلِّغوا عنِّي ولو آية " رواه البخاري والترمذي .

وهل أدلّ على هذا المعنى من قوله تعالى : ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ؟ .

وفي ضوء هذا التصوُّر تصبح " التربية " كما " الدعوة " مفرداتٍ في إطار " المشروع الإسلاميِّ " الذي يهدف إلى إصلاح وتغيير الواقع الاجتماعيِّ ، كما يصبح لكلِّ فردٍ دوره في هذا المشروع .

النظريَّة التربويَّة :

إنَّ هذه الاعتبارات الموضوعيَّة وغيرها تفرض على الحركة الإسلاميَّة أن تعمل على إعادة النظر في نظريَّتها التربويَّة ، وتعمد إلى تطويرها بما يتكافأ والدور الموكول إليها .

إنَّ النظريَّة التربويَّة للمشروع الإسلاميِّ يجب أن ترتقي من إطار تربية الشريحة إلى مساحة تربية الأمَّة ، وإلى نظريَّةٍ تصلح لأن تُبنى عليها السياسات التربويَّة في المؤسَّسات الأهليَّة والرسميَّة على حدٍّ سواء .

النظريَّة الدعويَّة :

وما يُقال عن ضرورة إعادة النظر في النظريَّة التربويَّة يجب أن يُقال كذلك في النظريَّة الدعويَّة ، تربيةً وخطابًا وأداءً ونهجًا ووسائل وآليات .

لم يعد جائزًا بقاء الدور الدعوي محصورًا في خطبة الجمعة والمناسبات التاريخيَّة - على كبير أهمِّيتها وقيمتها - فالمجتمع من حيث المساحة يتعدَّى مساحة المسجد والقاعة أو المنتدى ، والدعوة يجب أن تصل إلى كلِّ موقعٍ وتبلغ كلَّ قطاع ، ليتحقَّق الشهود العام على الناس ، أفرادًا ومؤسَّسات ، ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) .

والنظريَّة الدعويَّة - منهجيَّة ومادَّة - غير محصورةٍ بطبقةٍ معيَّنةٍ من الناس ، فهي ليست وظيفة علماء الشريعة وحدهم - على سبيل المثال - وإنَّما هي وظيفة الجميع في كلِّ مواقعهم واختصاصاتهم ومنابرهم .

من خلال هذا التصوُّر يبقى المسجد منبرًا دعويًّا رئيسيًّا ، مضافًا إليه المنبر التعليميُّ " المدرسيُّ والجامعيُّ " ، والمنبر الإعلاميُّ ، والمنبر الاجتماعيُّ الخيريُّ ، والمنبر النيابيُّ والسياسيُّ ، وسائر المنابر الأخرى .

إنَّ النظريَّة التربويَّة والدور الدعويَّ يجب أن يتجاوزا حدود الشريحة الإسلاميَّة الواحدة ليبلغا آفاق الأمَّة الإسلاميَّة ، فضلاً عن آفاق العالم أجمع ، تحقيقًا لعالميَّة الخطاب القرآني الدعوي : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) .

المصدر : موقع ينابيع تربوية