إن ربي لطيف لما يشاء
تمر بالإنسان مواقف وأحداث في يومه وليله ، ويجهل المرء أن تلك المواقف والأحداث هي قدر الله النافذ ، يسوق الله من خلالها الأقدار المؤلمة التي ترقيه ، وترفع من قدره عند ربه .
وهذه المواقف وتلك الأحداث ما هي الإ دليل عملي على صحة إيمان العبد وبها يتحقق الركن السادس من أركان الإيمان " أن يؤمن بالقدر خيره وشره " ، وبها يتحقق قوله تعالى " لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " ومن هنا فلا ينفك قدر الله من لطفه ، وأي قدر يتنزل بالإنسان سيجد فيه شيئا من لطف الله لا محالة .
يتجلي معنى لطف الله بعباده في قصة يوسف الصديق عليه السلام بصورة واضحة جلية ، حاملة العديد من الدروس التربوية .
فرغم ما تعرض له في حياته من مواقف وأحداث جسام لا يقوى على تحملها إلا أولو العزم وأصحاب الهمم العالية ، إلا أننا نجده يعلمنا ذلك الدرس في التعامل مع قدر الله والنظر إليه بعين الحكمة فقال لنا بعد تعرضه لتلك المواقف كلها " وقد أحسن بي إذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء " .
لم يذكر محنة دخوله السجن ولكن ذكر نعمة الخروج منه بعد الحبس ، ولم يذكر محنة الاغتراب عن الأهل والعشيرة ولكن ذكر نعمة جمعه بأهله وإخوته ، ولم يذكر محنة تعرضه للقتل من قبل إخوته وتآمرهم عليه ، ولكنه نسب ذلك إلى نزغ الشيطان .
إنها قمة التربية التي يشعر خلالها يوسف عليه السلام بلطف الله عليه حينما سخر له الأسباب الخارجية التي حولت المحنة إلى لطف من الله .
فيارب ما ألطفك بنا ، وما أعدلك في قضائك الواقع بنا ، وما أرحمك فيما تبتلينا به من بلاء ، وما تنزل علينا من مصائب ، قد لا نرى فيها خيراً ولا بذرة أمل ، ولكننا نكتشف بعد حين أن فيها الخير كله والفضل كله واللطف كله ، فيارب لك الحمد كله ولك الشكر كله ، " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " .